أصل الموسيقي: “كيف، ومتي، ومن؟”

0
730

حينما كنا صغاراً كان يدور في أذهاننا كثيراً من الأسئلة الإستفهامية عن ما حولنا، ولا أقصد بالأشياء الملموسة من أجهزة الكترونية وغيرها، ولكن أسئلة عن الكائنات المحيطة أو الفنون وأصلها، وبالتأكيد الموسيقي كانت واحدة من تلك الفنون، ولكن ظلت تلك الأسئلة تراودني حتي أصبحت في فترة دراستي الثانوية مما أدى لفضولي لمعرفة المزيد عن أصل العديد من الفنون وغيرها من المجالات وبالتأكيد الموسيقي كان لها النصيب الأكبر في ذلك. علي سبيل المثال، هل تعرف متى تم استخدام مصطلح “الموسيقى” لأول مرة؟ وهل كانت تسمى بنفس التسمية أثناء الحضارات القديمة؟ ولماذا تم الاتفاق على هذا المصطلح بالذات عن أي مصطلحات أخرى؟!

مؤرخي أصول فن الموسيقى، اتفقوا على تعريفها بأنها مجموعة من الأصوات المرتبة بنمط معين لتكوين عناصر مثل اللحن، والانسجام، والإيقاع. ويقيناً، اذا اردت خلق وترتيب تلك الأصوات ففي البداية سوف تحتاج الآلة التي تساعدك علي هذا. بلا شك، تدور اسئلة الآن مثل متى وجدت اول آلة موسيقية؟ وكيف تم صنعها؟ ومن هم أول من عزف عليها؟ لنعرف سوياً…

أصل الآلات وكيف صنعت؟

في الواقع، سوف تصدمك تلك المعلومة ولكن كانت آلات النفخ هي أوائل الآلات المستخدمة، وليست هنا المفاجأة بالطبع ولكن حين تعرف أنها كانت باستخدام عظام الهياكل البشرية والحيوانية التي توجد بها ثقوب، تكون هي الصدمة مقارنة بالآلات التي نراها الآن. ببساطة، حين ينفخ الشخص في تلك العظمة التي بها ثقوب، يسمع أصوات مختلفة، ومع الوقت والممارسة، تلك الأصوات تكون مرتبة أكثر لتعطي لحناً مميزاً وفريد. ومن هنا، كانت تلك البداية لأوائل الآلات الموسيقية في التاريخ. في الحقيقة، لست مؤرخ في تاريخ وأصول الموسيقي، ولكن بناء على قراءتي وجدت بأنه استطاع الباحث وعالم الآثار السلوفيني سريكو برودار في أوائل القرن التاسع عشر، بالعثور على العديد من العظام المثقبة التي تعود لفترة ما قبل الحضارات، والمعروفة بالعصر الحجري،  وذلك كان في منطقة جبال الألب الجيرية الجنوبية المعروفة بسلسلة كراونكس والتي كان معظمها مدمر بسبب آثار الضربات الجوية في الحرب العالمية الأولي. وبناء علي علماء الآثار والباحثين في مجال التاريخ الموسيقي، بأن أغلب الحضارات القديمة كانت مهتمة جيداً بفن الموسيقى ومنها المصرية واليونانية والاسترالية والآسيوية وغيرها من الكثيرون التي كانت غنية جداً من حيث تنوع الآلات المستخدمة وحتى الانماط الموسيقية ايضاً.

المصطلح:

يُعد القرن السادس عشر، هو الظهور المتعارف عليه لاستخدام مصطلح الموسيقي علي المستوي العالمي، قطعاً باختلاف اللغة، مثلاً في الانجليزية Music بالتأكيد مشتقة من ما تسبقها في القرن الثالث عشر في الإنجليزية القديمة Musike، أما عن الفرنسية فكانت تسبقهم ايضاً بقرن وهي ما كانت تعرف بـ musique، وكما تعلمون أن تلك اللغات أصلها لاتيني حيث كانت تعرف بـ mūsica. في حين أن تلك الكلمة اللاتينية مشتقة من الحضارة الإغريقية القديمة mousiké. وبناء علي مفاهيم الحظارة الاغريقية كانت آلهات الإلهام، أو كما كان يعرفن بـالميوزات Muses، هي مصادر الإلهام للفنون والشعر والعلوم، ومن غير شك، الموسيقي على وجه الخصوص.

نصب تذكاري لزرياب في قرطبة بإسبانيا.

أصول موسيقي العرب والشرق الأوسط وشمال افريقيا

يوجد تفاسير مختلفة تجاه أصول الموسيقى العربية، حيث يعتقد العديد من الباحثين أنها ترجع أصول الموسيقي العربية الي الفارسية والإغريقية، ولكن يوجد أيضاً نظريات أخرى، وذلك بعد تطور في علم الآثار في البحث والتدقيق، وجدت حفريات ومخطوطات تعود إلى ثلاثة عام قبل الميلاد، بالطبع ذلك يعود لحضارات أصيلة مثل البابلية والاشورية التي عاش بها شعوب الكنعانيين والفينيقيين والحيثيين، مع العلم أنهم كانوا على توافق واتصال دائم بالحضارة المصرية وايضاً حضارات شرق آسيا. وبناء علي ما وجده الباحثون وعلماء الآثار، فوجدت فنون موسيقية كاملة الأركان من حيث الآلات الإيقاعية و النفخ و الوترية أيضاً. بالتاكيد، قد سمعت عن اسم هيرودوت من قبل، المؤرخ الإغريقي الشهير أشاد بالموسيقى في مصر من حيث أغانيها وفنونها بشكل عام، ومن كثر شهرتها كانت الأغاني ذات شعبية كبيرة في بلاد اليونان، على حد وصفه. أما عن العصر الجاهلي كانت تتنوع الآلات الإيقاعية والنفخ، كما صرح الفارابي في كتباته بوجود آلات وترية وقتها ايضاً. وهو المعروف عنه ايضاً بتأليف كتاب “الموسيقى الكبير” الذي تضمن الأسس والقواعد الموسيقية التي يسير على نهجها الموسيقيون العرب حتى الآن. لا ننكر فضل الأندلس في الفنون والموسيقي، ومن أبرزهم بالطبع هو العبقري زرياب الذي أضاف الوتر الخامس في العود، وبتواجده في الأندلس كان علي دراية عالية بالتنوع موسيقي مختلف من الغرب والشرق على حد سواء. في الواقع، اسطورة زرياب ليست فقط لهذا السبب بل ايضاً لانه أدخل على الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة قبله. وجعل مضراب العود من ريش النسر بدلاً من الخشب. كما كان مشرف علي دار المدنيات ويعد أول معهد موسيقي في قرطبة، الأندلس (اسبانيا حالياً). بالاضافي إلي، كان من أول من غير في طريقة الغناء بافتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر او الإيقاع، كما أنه أول من وضع قواعد لتعليم الغناء للمبتدئين.

ولم تقف الموسيقي هنا، حيث بحلول العصور الوسطى إلى نهايتها في القرن الرابع عشر الميلادي في أوروبا تغيرت أشكال الموسيقى وثوابتها وقوالبها، حيث تنوعت من عصر لآخر وأنماط موسيقية لا حصر لها… لنعرف المزيد عن كيفية حدوث هذا في  المقال القادم.

مراجعة كتابية: هاني نبيل