تذوق الموسيقى لا علاقة له بأية لغة تتحدث، أو أي لون موسيقى تٌفضِل. فالمستمع الشغوف لا يهتم بذلك؛ بل كل ما يعير له انتباهًا هو أن يشعر بالموسيقى الغنية بداخله، ويلمس جماليتها ويقدرها. مع ذلك، مهما سمع المرء، يظل الأمر مختلفًا حين يسمع أغنية جديدة بلغته الأم، وكأن شعور العودة للوطن بعد غياب يغمره فجأة. حين سمعت “دوايا” للفنان مغربي الأصل، نچيب مفتاح، اجتاحني هذا الشعور بفضل اللمسة التراثية التي تجعل الأغنية تمر على الروح قبل الأذن.
نجيب مفتاح هو فنان ذات أصول مغربية، مقيم بفرنسا منذ عام 2001. كما هو معروف، فالانتقال إلى بلد جديد قد يبعث في النفس الكآبة، لكن مفتاح وجد لنفسه ملجأ دافئ؛ حيث كانت الموسيقى صديقه في الغربة، والسبب في تعرفه على أصدقاء كمحمد مساهل الذي أصبح جزءًا من المشروع الموسيقي ” نچيب مفتاح والأصدقاء” الذي تم تأسيسه في 2019، وأغنية “دوايا” هي ثمره الأول.
“دوايا” هي انعكاس رائع لما تأثر به الفنان خلال ترعرعه ما بين الموسيقى الشرقية والغربية. فبمجرد أن استمعت إلى الأغنية، أتى إلى ذهني أسطورة الأغنية الأمازيغية، الفنان الجزائري إدير، الفنانة الجزائرية سعاد ماسي، وفرقة الموسيقى الفلسطينية الثلاثي جبران، ولمحة من أجواء أغاني المغنية الجزائرية كريمة نايت. وبالفعل ما إن تعمقت في التعرف على خلفية الفنان، وجدت أنه يستوحِ من بعضهم إلهامه، بالإضافة إلى وضع اللمسات الغربية بتداخل انسيابي مع الشرقية، تأثرًا ببعض الموسيقيين مثل: Cat Stevens, Chris Cornell and David Guilmour
من الصعب تحديد عنصر بعينه يميز الأغنية. تعمل كل العناصر معًا على أسر المستمع عامة، ومحب الفلكلور خاصة. مع إن كلمات الأغنية حزينة، لحنها والأداء الصوتي يعطي شعورًا عجيبًا بالسلام أكثر منه شعورًا شقيًا. كل بيت يرسم مشهدًا سينمائيًا لشخص يناجي الحبيب الغائب والذكريات التي ذهبت معه، لكن اللحن الحالم يضيف للمشهد الدرامي ألوانًا دافئة. صوت الفلوت الشاعري مع صوت الكمان التواق وصوت القرع المتحمس يقدم نسيجًا حساسًا يندمج بدون تكليف مع الصوت الغنائي الرخيم.
لم أذكر مسبقًا العديد من الأسماء التي بدرت إلى ذهني حين انغمست في عالم “دوايا؛” لأن هذا النوع من الفن الخالص لا يقدمه الكثيرين، فالمعظم يجري وراء مواكبة موسيقى اليوم، مهملًا أهمية إضفاء ما يعطي روحًا لفنه. لكن الآن بالتأكيد نچيب مفتاح سينضم إلى كل من يضم العراقة للحداثة، ويدمج اللون الشرقي مع الغربي، صانعًا جسرًا شديد التماسك يجعل كل من يفكر “ماشي وحدي في هذا الطريق” أن يلجأ إلى هذا الجسر ليؤنسه.