بعد واقعة القيصر.. سر هوس الإعجاب بالمشاهير

0
675
blank

في لوحة “موسيقى” للرسامة الروسية أنطونيا ليوناردوف رزفسكايا، تظهر مجموعة من النساء والرجال في حالة تماهي كاملة مع الموسيقى التي يستمعون إليها في الأوبرا، يوفوريا لا نهائية لأنهم في حضرة صوت استثنائي، وموسيقى تمس الروح والقلب، وتدخلهم إلى عوالم خيالية لم يسبق لهم التواجد فيها.

blank

تكمن عظمة اللوحة في قدرتها على نقل حالة خيالية يعيش فيها المستمع مع الموسيقى والمطرب المفضلين له، حالة تعجز الكلمات عن وصفها، اللوحة التي ظهرت للنور بين عامي ١٩٠٢ و ١٩٠٣، تلفت انتباهنا إلى انقلاب الموازين الآن، تجعلنا نتساءل كيف توقف البعض عن الاستمتاع بالموسيقى في مقابل الافتتان بالمطرب ومحاولة التقرب منه، بعد أن كانت الموسيقى هي الغاية، أصبح التقاط صورة مع المطرب هو كل ما يسعى إليه المعجب.

واقعة القيصر

تعرض المطرب العراقي كاظم الساهر لهجوم من إحدى المعجبات، التي اقتحمت المسرح أثناء إحيائه حفله الغنائي الثاني في مصر بعد غياب امتد لأكثر من ١٠ سنوات، للحصول على سيلفي مع مطربها المفضل، المعجبة هاجمت الساهر من الخلف، لم تفكر إذا ما كانت الحركة المفاجئة قد تتسبب في مفاجأته أو سقوطه، كان هدفها هو احتضانه ومشاركته ولو لحظة بسيطة لن تتجاوز الدقيقة على أقصى تقدير لكنها ستبقى في خيالها سنوات.

الهجوم على الساهر لم يكن الأول من نوعه، معجبات كثيرات على مدار تاريخه الفني أقدمن على الفعل نفسه، لكن ردة فعله تختلف من حفل لآخر، أحيانًا تظهر المفاجأة والاضطراب لثواني لكنه دائمًا ما يتدارك الأمر ويرسم البسمة على شفتيه، ويحقق للمعجبة رغبتها، يلتقط معها صورة، يرقص بصحبتها، ثم يوصلها بأمان إلى خارج المسرح بعد أن يتأكد من عدم تعرض رجال الأمن لها.

لكن بعيدًا عن اتهامات البعض للقيصر وغيره من النجوم ممن يتكرر معهم الأمر، بالاتفاق مع هؤلاء الفتيات ليظل النجم معشوقًا في أعين معجباته حتى لو قارب عمره على الخامسة والستين، إلا أن تكرار مثل هذه الأفعال يدفعنا لتحليل الظاهرة، هل تحول بعض المعجبين من الإعجاب بالعمل الفني لتقديس النجم نفسه ظاهرة جديدة أم أنه قديم قدم الموسيقى نفسها؟ 

هوس الإعجاب بالمشاهير

هوس الإعجاب بالمشاهير أو ما يعرف بمتلازمة عبادة المشاهير هو اضطراب إدمان هوسي يهتم فيه الشخص العادي بتفاصيل الحياة الشخصية والمهنية لأحد المشاهير (نجوم السينما، التلفزيون، الرياضة، الغناء) بطريقة غير عادية، ويرجع علماء النفس تاريخه للقرن التاسع عشر، وتظهر أشكاله في مطاردة المشاهير، الاعتقاد بأن أحد المشاهير هو تؤام الروح، أو أنه في علاقة عاطفية معه.

سهولة الوصول للنجوم الآن بفضل السوشيال ميديا التي يشارك فيها المشاهير جمهورهم كافة تفاصيل حياتهم زادت من تكرار الظاهرة مؤخرًا، فبعد أن كان تعقب النجم قديمًا يتطلب مزيد من الجهد والبحث والمال، أصبح بإمكان ضغطة زر واحدة أن تقربك أكثر من نجمك المفضل، يزداد الأمر خطورة مع من لديهم هوس الترند، والرغبة في أن يكونوا موضع اهتمام وحديث الآخرين ما يدفعهم لارتكاب أفعال غير عقلانية قد تصل لارتكاب الجرائم.

سمير سبوت الشخصية التي أداها الفنان فتحي عبد الوهاب ضمن أحداث فيلم “بحبك وأنا كمان” إنتاج ٢٠٠٣، هي أقرب تجسيد لهوس الإعجاب بالمشاهير، اقتناعه بأن علاقة صداقة حميمة تجمعه بنور المطرب المشهور تصادف أنه من نفس بلدته، تدفعه لملاحقته وقتل منافسه واختطاف حبيبته.

blank

قد لا يكون مهاويس النجوم في مصر والعالم العربي على هذا القدر من التهور والخطورة كحالة سمير سبوت أو أن بعضهم مدفوع لافتعال الأمر، لكن حكايات المشاهير في الخارج وصلت لتطورات خطيرة، منها اعتقاد معجب ليندسي لوهان أنه متزوج منها، محاولة إخصاء وقتل جاستن بيبر، التهديد بقتل تايلور سويفت بسكين، وغيرها الكثير من الحوادث التي أدخلت أصحابها في أزمات نفسية وسنوات طويلة من العلاج النفسي في محاولة لتجاوزها.

زيادة الهوس عند المعجبين تأتي من رسم صور خيالية عن نجومهم المفضلين، هالة مقدسة بعيدة عن الواقع، لكن مقابلتهم والاحتكاك بهم تكشف عن صورة بعيدة عما رسموه في خيالهم، قد تصدمهم الصورة الحقيقية وتدفعهم لإيذائهم أو تعيدهم إلى أرض الواقع، وهو ما حدث مع معجبة روبرت باتينسون الذي كان يشعر بالملل أثناء تصوير فيلم في أسبانيا، فقرر الخروج في موعد على العشاء مع إحدى المعجبات والتي كانت تتعقبه أمام المنزل لأسابيع، لكنها فقدت الشغف به بعد أن جلست معه، انتقدت كل شيء يفعله في حياته، ثم توقفت عن ملاحقته بعد العشاء للأبد.

قد لا تكون معجبات القيصر أو تامر حسني أو الهضبة أو غيرهم من المشاهير على القدر نفسه من الهوس وكل مسعهن صورة سيلفي وذكرى خالدة للقاء عابر، لكن تكرار الهجوم على النجوم على المسرح يكشف عن اهتمام غير صحي ومبالغ فيه بالفنان وصورته على حساب فنه، ما يعزز تركيز بعض المشاهير على الشكل الخارجي على حساب الموهبة الفنية، ونحن هنا لا نقلل من أهمية الصورة الخارجية لكنها لا يجب أن تسبق المشروع الفني بأية حال.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here