وصفوا الحياة بصفات عدة، لكن لم يصفها أحد قبلًا أنها سهلة. فالحياة رحلة، وكل منا له وجهته، وما نتشارك فيه جميعا أن كلنا في مرحلة ما نضل طريقنا، ونشعر أننا لا نسلك طريقًا بل متاهة. يعبر الفنان طارق الفاروقي في أغنيته “سكون” عن تلك المعضلة، وينقل لنا إحساسها عن طريق أدائه الصوتي الشغوف وموسيقاه الشجية.
طارق الفاروقي هو فنان مصري، بدأ حبه للموسيقى منذ الطفولة. أخذ الأمر شكل هواية في البداية، وشارك حبه للموسيقى مع آخرين في الجامعة، ثم في آخر سني الدراسة، تطور هذا الولع من “قعدات مزيكا” إلى مشروع فريق موسيقي يُدعى “فيل،” وشاركه هذا المشروع الأخوين: أحمد عبد القوي وطارق عبد القوي. استمر المشروع من 2011 إلى 2014، وقد كان وقتها منتشرًا في نطاق المعارف والأصدقاء والحفلات الصغيرة. خفتت شعلة المشروع، ولكن حب طارق الفاروقي للموسيقى لم يتلاشَ أو يقل إنشًا. لذلك عاد مرة أخرى في عام 2021 بالتعاون مع موسيقيين محترفين. أول إصدار هو ” وانت مش داري ،” ومن ثم تبعه ” اللعبة،” وسكون” وأحدث إصدار هو ” لا تنهزم.”
“سكون” هي الأغنية التي سنغطس في أعماقها -كما تم التوضيح مسبقًا-، ونستكشف اللؤلؤ الفنية بداخلها. مؤخرًا واجه “البوب المصري” مشكلة ضحالة الأفكار وتكرار الألحان، لكن في حالة “سكون” يوجد تكامل باهر بين فكرة عميقة، وتصف العديد منا، وبين ألحان رخيمة ومؤثرة، وتعكس الهوية المصرية.
تجمع الأغنية بين غناء وكلمات وألحان: طارق الفاروقي، توزيع وموسيقى، لعب جيتار: ماهر الملاخ، لعب نأى وكولة: مراد يوسف عزمي، وإنتاج موسيقي من بلو برودكشنز: ماهر الملاخ، مفدى مجدى، بيتر أيمن. هذا التعاون أصدر لنا أغنية تعلق بالأذهان ومعبرة عن لسان حال كل من يشعر بالتيه وعدم القدرة على فهم الحياة ومواكبتها.
ما يميز غناء طارق الفاروقي العذب، هو وجود بحة مصرية أصيلة، وظهور النبرة المتألمة التي تنقل شعور الأغنية. كلمات الأغنية مليئة بالاستعارات المألوفة التي تُسَّهل ارتباط المستمع مع الأغنية. لا يوجد بيت ليس مكتوب ببراعة! وقد عبَّر عن المشكلة، مثل: ” بحاول امسك هوا بإيدى، عمال اجرى ورا ضلى” وكذلك بعث الأمل باقتراحه حلولًا في النهاية، مثل الحث على الحرية في:”فك دروعك، وارميها، تلقى نفسك خف الريشة.”
يساعد على الوصول إلى عمق أكبر وجود عالم موسيقي دافئ. الجيتار مع النأي يجعل المرء يشعر بسلام يغطي على قلق أفكاره. فمنذ “انترو” الأغنية ينجذب المرء لهذا العالم، وكلما تقدمت كلما أراد البقاء به لأطول وقت ممكن. فهي تبدأ على نحو هادئ، وتتقدم بتناغم خالص. خاصة جزء النأي المنفرد الذي من الصعب مقاومة تكراره.
بعد مرور خمس دقائق، ستنتهي تلك التحفة الفنية، أما عقلك فسيظل يردد القرار الخاص بها:
“الحبسة جوه الكون، سجون جوا سجون.
مفتاحها وسط الدوشة، جواك يملاه السكون.”
لذا لا تتردد وشغلها مرة بعد مرة لتظل في جو “سكون” لأطول وقت ممكن.