قبل عام ٢٠١٧، كانت النساء في العالم يتعرضن للعنف والاغتصاب والتحرش الجنسي طوال الوقت دون تسليط الضوء على معاناتهن أو حتى الاستماع لرواياتهن، لكن مع ذيوع صيت حركة “MeToo” التي بدأت باتهام المنتج الأمريكي هارفي واينستين بالتعدي والاعتداء الجنسي على عدد كبير من النساء العاملات في هوليوود، أخذت قضايا العنف تجاه النساء تنال قسطًا كبيرًا من اهتمام العالم، وبعدها أصبحت الأيقونات تتداعى واحدة بعد أخرى (بيل كوسبي، كيفين سبيسي، جيمس فرانكو… إلخ)، لم يعد الرجال فوق الاتهام والمحاكمة ولم تعد النساء تصمت عما يحدث معهن.
في العالم العربي، استغرقت النساء وقتًا أطول لرفع أصواتهن، في عام ٢٠٢٠ بدأت مدونة دفتر حكايات في نقل شهادات الناجيات من العنف الجنسي، كشفت المدونة عن عالم مختلف تصارع فيه النساء للنجاة بعد حوادث تعدي وتحرش واغتصاب تعرضن لها في الأوساط الثقافية والفنية، أما الجمهور وأغلبه من الرجال انقسم ما بين تصديق الناجيات وبين اتهامهن بمحاولة الاستفادة من الموجة الجديدة التي تدعم النساء بعد قرون من الظلم والتمييز ضدهن.
أحدث هذه الاتهامات أعلنتها فتاة لبنانية تُدعى فاطمة فؤاد، والتي اتهمت مطربة مصرية ورابر فلسطيني باغتصابها في حفل رأس السنة الذي أقامته مكتبة برزخ في بيروت في نهاية ٢٠١٩، وحمل اسم “تسقط الـ anxiety” بالتعاون مع مجلة معازف وballroom blitz، بمشاركة ١٢ موسيقي عربي بينهم ب. س. وهو رابر فلسطيني أردني، وآ.م. وهي مطربة مصرية.
سردت فاطمة تفاصيل الواقعة كاملة من خلال منشور على موقع فيسبوك، أوضحت فيه أن الرابر الفلسطيني تحرش بها لفظيًا عدة مرات وحاول التقرب منها وهو ما رفضته، ثم تعاون مع المطربة المصرية للإيقاع بها عبر إجبارها على تناول مخدر ثم اغتصابها معًا، نقلت فاطمة كواليس ما قبل وما بعد الواقعة التي ستغير مجرى حياتها، وردود أفعال المتهمين بعد مواجهتهما بالواقعة إذ نفى كلاهما رواية فاطمة وحاولا ابتزازها عاطفيًا وإعادة سرد الأحداث لإدانتها، ولم تغفل فاطمة ذكر ردود أفعال العاملين في معازف على الواقعة ورفض مديرها إدانة المغتصب رغم توافر شهادات عدة لناجيات تعدى عليهن في مصر ولبنان والأردن بينهن عضوة في فريق عمل المجلة.
View this post on Instagram
شهادة فاطمة دعمتها شهادتين أخرتين من عضوي فريق معازف نور وعمار، نشرت نور الشهادتين عبر حسابها بموقع انستجرام، وكشفت فيها تعرضها للاعتداء بالضرب من الرابر وشهادتها على تحرشه بفاطمة طوال الحفل، أما شهادة عمار فأكد فيها تعدي الرابر على أكثر من شخص في الحفل بالسب والتهديد، ولفت أيضًا لانقسام فريق معازف بين مؤيد ومعارض لمواصلة نشر أخبار عن الرابر بعد الواقعة، والتي انتهت باستقالة ٣ أشخاص وطرد أخرى، واستمرار المجلة في تغطية أعمال الرابر.
معازف ردت على اتهامات فاطمة من خلال بيان أولي أكدت فيه دعمها لفاطمة وشهادتها ورفضها لكافة أشكال العنف والتعدي الجنسي والتحرش والاغتصاب وأعلنت فتح تحقيق مستقل مع مدير معازف معن أبو طالب للبت في الأحداث التي وقعت في الحفل، مع وعد بنشر مستجدات التحقيق أول بأول، ولفتت إلى وقف التعامل مع الفنانين المتهمين في الواقعة ومسح المحتوى الخاص بهما من المجلة.
مؤسسة آفاق عقبت على الواقعة من خلال بيان أعلنت فيه فض الشراكة مع معازف والتي كان من المقرر مشاركتها في تنظيم حفل ميدان في ١٦ يوليو المقبل ببيروت، على خلفية شهادة فاطمة معلنين تضامنهم الكلي معاها، نافين معرفتهم بأحداث الواقعة قبل خروج الشهادة للعلن.
معهد جوته بدوره ألغى حفل موسيقي كان من المفترض إقامته الأربعاء المقبل ضمن إطار فعاليات برنامج Un-Plugged، بمشاركة المطربة المصرية المتهمة في الواقعة، لكن المعهد لم يصدر أي بيان توضيحي لأسباب الإلغاء.
رغم مرور أكثر من عامين ونصف على الواقعة، تبقى شهادة فاطمة حتى ولو جاءت متأخرة، خطوة مهمة وجريئة تشجع النساء على كشف المعتدين في الأوساط الفنية وتحميلهم مسئولية جرائمهم دون خوف من إصدار الأحكام عليهن، كما أنها تفتح نقاشًا واسعًا حول العقوبات التي يجب تطبيقها على المعتدين فيما يتعلق بأعمالهم الفنية، وأهمية تأمين أوضاع النساء في العمل ودعم مؤسساتهن لهن حتى تنكشف الحقائق.